vendredi 2 novembre 2012

استراتيجية الثورة في القضاء على الإستعمار



 

بقلم الأستاذة فاطمة الزهراء طوبال
      نعلم أن جيش التحرير الوطني قد ولد في ظروف جد خاصة لم تسبقها أية مرحلة تحضيرية إذ تمكن في ظرف وجيز جدا من إحداث المفاجأة بقلب موازين القوى بانتصاراته العسكرية على أكبر قوة أروبية في العالم ة و المتمثلة في قوة الجيش الفرنسي الذي أبرز إصرارا قويا للقضاء على الثورة من خلال إستراتيجياته و مشاريعه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و قوة شكيمته و خططه و تقنياته إلا أن كل ذلك جوبه بإستراتيجية ثورية لصد تداعيات الاستعمار الشرسة، تجعلنا نجملها في الإشكاليات التالية: ماهي الخطة التي اتبعتها جبهة التحرير الوطني لإلحاق الهزيمة بالحكومة الفرنسية و في العديد من المحطات التاريخية الكبرى ؟ و إلى أي مدى تمكنت الإستراتيجيات الفرنسية الحربية من عزل الثورة عن قاعدتها الشعبية ؟

إستراتيجية الثورة :           لقد أولت الثورة الجزائرية اهتماما كبيرا للعمل الفدائي الذي من خصائصه الكتمان و السرية و الحيطة و الحذر الدائم حيث كانت تلك الأعمال الفدائية موجهة إلى تصفية غلاة المعمرين و الخونة و بث الرعب في نفوس الفرنسيين ، بالإضافة إلى قيام اللجان الثورية بالتوعية السياسية و التعبئة الشعبية مما أدى إلى ارتفاع عدد المجاهدين .

  هذا ، وقد لعب مكتب جبهة التحرير الوطني في القاهرة الذي كان يشرف عليه أحمد بن بلة ، آيت أحمد ، محمد خيضر دورا كبيرا في إقناع الدول العربية بضرورة الإسراع في تقديم العون لدعم الثورة و مدها بالسلاح إذ وصلت أول شحنة من سفينة مصرية " انتصار " في ديسمبر 1954 م حيث أنزلت حمولتها بالقرب من مدينة طرابلس و أخذت طريقها إلى الجزائر على ظهور الجمال و عبر الجنوب التونسي و استطاع محمد بوضياف من خلق شبكة نشطة في مدينة برشلونة لشراء الأسلحة و إرسالها إلى الشمال المغربي مخبأة في براميل الطلاء و من هنا تأخذ طريقها إلى الجزائر بعدما شددت الرقابة الفرنسية على الحدود الشرقية ، أما بخصوص المؤن فلقد بادر جيش التحرير الوطني إلى حفر مخابئ و مغارات لخزنها في أماكن يصعب على قوات العدو الوصول إليها بعدما تخضع لجمع الاشتراكات و الزكاة .

  هذا ، و في الحديث عن الأساليب القتالية لجيش التحرير الوطني ففي ظل انعدام التكافؤ في موازين القوى بين وحدات الجيش و القوات الفرنسية اعتمدت إستراتيجية الجبهة على انتهاج أسلوب حرب العصابات من أجل تفادي المواجهة الكلاسيكية المباشرة مما يقلل من خسائر جيش التحرير و يلحق أضرارا بالغة بالجانب الفرنسي ، كما اعتمدت على الهجمات الخاطفة و أعمال التخريب لخطوط المواصلات مع نصب الكمائن للقوافل المدنية و العسكرية و قد اختير لهذا الأمر أفواجا تتميز بخفة الحركة و المرونة في التخطيط و لقد أحدث مؤتمر وادي الصومام 20 أوت 1956 نقلة نوعية في المسار التطوري للجيش بتوحيد النظام السياسي و العسكري عند كل مسؤول محددا هدف الثورة المتمثل في الاستقلال و طريقها إليه العمل المسلح ، كما وضع نظام عسكري من خلال هيكلة تنظيمية واحدة من القاعدة إلى القمة و قام بتوحيد هذا النظام من حيث تشكيلاته و رتبه وقياداته .

  و لم تقتصر قيادة الثورة على العمل العسكري و إنما تعدته إلى ميادين سياسية و تنظيمية و ذلك بإنشاء خلايا و لجان و مراكز من أجل عزل الجماهير عن الإدارة الاستعمارية فنصبت " المجالس الشعبية " على مستوى القرى و الدواوير و عينت مسؤولين عليها مركزة في اجتماعاتها على الطابع الديني أما الطابع المالي فقد خصته " للجان الشرعية " من أجل فض الخصومات بين المواطنين و اعتمدت على نظام " المرشدين السياسيين " الذين يشرفون على تلك اللجان و هدفها القيام بالدعاية المضادة للاستعمار من أجل رفع معنويات المجاهدين و المواطنين كما وضعت جهاز مهمته التكفل بالاستعلامات و الإعلام من أجل كشف الخونة بين الأوساط الشعبية و مراقبة تحركات العدو و خاصة من أجل القضاء على قانون " السلطات الخاصة " في عهد " روبير لاكوست " و الذي يعد بمثابة وسيلة للحرب الدعائية النفسية للتغرير ببعض الجزائريين و لقد عمل لقاء الصومام لتفادي ذلك بتشكيل قيادة جماعية للثورة و ذلك بإنشاء هيئات قيادية عليا تمثلت في " المجلس الوطني للثورة الجزائرية " و " لجنة التنسيق و التنفيذ " فأقر مبدأ إشراف و أولوية الهيئة السياسية على الهيئة العسكرية كما أعطى أهمية للحركات النسائية و النقابية و الفلاحية في دعم الثورة التحريرية و بعد هذه الهيكلة التي تمخض عنها المؤتمر تحددت أهداف إستراتيجية الثورة في السعي للحصول على أقوى ما يمكن من التأييد المادي و المعنوي و النفسي بتدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية فأسند ذلك إلى لجنة الخمسة المنبثقة عن اجتماع 22 و أسند أمر تنظيم الحملات الإعلامية و التظاهرات و الإضرابات إلى التنظيمات النقابية و الجماهيرية من أجل تكذيب الدعاية الفرنسية بوصف الثورة بالأعمال الإجرامية أمام الهيئات العالمية و عرض القضية الجزائرية على هيئة الأمم المتحدة حيث أثارت حادثة العدوان الثلاثي على مصر 1956 و اختطاف قادة الثورة 22/10/1956م و حادثة ساقية سيدي يوسف 08/02/1958م موجة من التنديد في العديد من الدول مثل الو.م.أ و بريطانيا ففرضت القضية الجزائرية نفسها على جلسات الدورة 11 لهيئة الأمم المتحدة فأدرجت في جدول أعمال هذه الجلسة ، فنجحت دبلوماسية الجبهة بتدويل القضية في 15/02/1957م الأمر الذي أدى إلى استقالة غي موليه 21/05/1957م .

  و لقد أدركت الثورة أهمية سلاح الإعلام في كسب حربها ضد العدو الفرنسي فلعبت صحافة التيار الاستقلالي الممثلة لحزب الشعب دورا هاما في تأدية رسالتها الوطنية و انتهجت الجبهة أسلوب الإعلام الشفهي لشرح أهداف الثورة و إطلاع الشعب على انتصارات وحدات جيش التحرير الوطني و النشريات المحلية مثل " الوطن " 195م و صوت الجبل و صدى التيطري ، أما الإعلام الموجه للخارج فلقد تم عن طريق الندوات التي يعقدها ممثلو الجبهة حيث يتم نشرها عن طريق وكالات الأنباء الدولية فلعبت جريدة الأهرام المصرية دورها للتعريف بالثورة الجزائرية بالإضافة إلى الإذاعات كصوت العرب و القاهرة مشيدة بانتصارات الجيش و نجحت الجبهة بإصدار أول صحيفة " المقاومة الجزائرية " في أواخر 1955م لتكون أول صحيفة ثورية ذات طابع وطني ناطقة باسم الثورة حيث كلف مؤتمر الصومام " محافظون سياسيون " للقيام بدور رجال الإعلام و عين عبان رمضان مسؤولا عن ذلك .

الخاتمة : لقد أثبتت هذه المحطات في أن الجزائريين لم يكونو أقل كفاءة و مقدرة من الفرنسيين في استنباط الأساليب و التكتيكات و الحلول و التي مكنتهم من تجاوز كل العوائق و الصعاب فحققوا الاستقلال الوطني.

إطلالة على جماليات الأدب الصوفي الإبداعية

 
إطلالة على جماليات الأدب الصوفي الإبداعية
نفحات أقلام إسلامية تتنافس لإبراز مكنوناته التراثية
بقلم: فاطمة الزهراء طوبال
 
  حضي الأدب الصوفي غب نشأته الأولى بمواكبته للعلوم المعرفية كعلمي التفسير و الفقه ، فنال تنويه الدارسين و المؤرخين الذين رضوا بشرف المنزلة التي رقي إليها المتصوفة فساروا في دروبها محافظين على فنهم الأصيل حيث صار منهلا للمقتبسين من فروعه ألوانا متعددة من الشعر و النثر كان من فحولها المذكورين :الإمام الشافعي و شهاب الدين عمر السهر وردي ( ت 632ه ) و إبراهيم الدسوقي و القشيري (ت 475ه ) و طاهر أبو فاشا و ذو النون المصري ( ت 245ه) و سراج الدين الطرسي ( ت 378ه) والحسن البصري( ت110ه ) ، و لعبت المدارس الدينية في ق 16م دورها في محاربة البدع و الأباطيل و في الرفع من مقام الصوفيين باعتبارهم أولياء الله الصالحين ، فكان من جهابذتها المشهورين " إبراهيم المصمودي ( ت 804ه ) الذي تابع لفترة طويلة دروس المدرسة التاشفينية بتلمسان ".
     هذا ، و قد انتشرت قبل ذلك المجالس الصوفية في كل من خراسان و بغداد و لعبت دورا هاما في الجمع بين المتصوفة للتحاور فيما بينهم و تبادل معارفهم العلمية فتبعثرت في مقامهم عبارات التوبة و الزهد و الفقر إلى الله تعالى ، حيث أورد الشيخ أبي طالب المكي الخصال التي يجب على المريد و الزاهد اتباعها و هي " قطع أسباب الهوى
 و الزهد فيما كانت النفس راغبة فيه ".
     فتميزت مرحلة بداية القرن 2ه بشيوع فكرة التقشف في الدنيا لطلب التقرب من الله
 تعالى حيث قال علقمة بن مرشد :
 " و الله لقد أدركت سبعين بدريا أكثر لباسهم الصوف ، و لو رأيتموهم قلتم مجانين ،
 و لو رأوا خياركم لقالوا : ما لهؤلاء من خلاق و لو رأوا شراركم لقالوا ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب ... يمشي أحدهم و ما يجد عنده إلا قوتا فيقول لا أجعل هذا كله في بطني، لأجعلن بعضه لله عز وجل فيتصدق ببعضه و إن كان هو أحوج ممن تصدق به عليه.      
   و ما تجدر الإشارة إليه أن هذا العلم قد عرف ميزة تنقلية بامتزاج كل من أفكار متصوفة المشرق بالأندلس و لقد حدث هذا تلقائيا خاصة على يد ابن مسرة (ت419ه) ، الذي كان له قصب سبق في ذيوع طريقة زهده بين تلامذته مخلفا بذلك " كتابي التبصرة و الحروف حيث كان مذهبه يقوم على " الجمع بين بعض مبادئ المتصوفة و بعض أصول الاعتزال ".
  و إذا بحثنا عن الظروف التي ساعدت على انتشار هذا العلم فإن حياة البذخ
 و الرفاهية التي تميز بها الخلفاء جعلت من هؤلاء المتصوفة أبطالا يهرعون إلى حماية تقاليدهم الدينية من الشعوب الأجنبية التي دخلت الديار الإسلامية كالفرس "فحمل أغلب أقطاب التصوف أمثال أبو مدين شعيب بن الحسين دفين تلمسان 595ه لقب الغوث" .
  هذا ، و قد حضي كل قطب من هؤلاء بترجمة وافية تنوه بالمكانة العلمية الراقية التي سموا إليها من طرف العلماء و الدارسين أمثال القنفذ القسنطيني في كتاب " الوفيات "
و يحيى بن خلدون في كتاب " بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ".
  إن كل هذا الاهتمام بالأدب الصوفي هو بحاجة إلى إعادة نظر جديدة ، خاصة فيما يتعلق بكتابات الصوفيين القدامى و إن كان للصوفية حض في ميدان البحث الأدبي و التاريخي إلا أن أغلبها كانت إما في مقام الاختزال أو عدم تغطيته من كل الجوانب .
      إذ أن لكل علم أساليب أدبية خاصة يتميز بها ، باعتباره علما مستقلا تتعين مناهجه بالاعتماد على  مصطلحاته التي غالبا ما تتطور بحكم التجربة الشخصية للمفكر و من هذه العلوم  " الصوفية " التي تصور لنا الحياة الانعزالية للمتصوفة الذين يرون الأشياء بمفاهيم جديدة تختلف عن اعتقادات الناس ، إذ يرى ابن خلدون في مقدمته : " أن لهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم و اصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم " .
    هذا ، و نجد في أقوالهم الجدية التامة في إظهار تباينهم الأدبي على غيرهم من الأدباء و ذلك بجعله في أعلى الدرجات حيث يستحيل على من ليس في مقامهم التطلع إلى كتاباتهم الأدبية إذ يقول محي الدين بن عربي : " نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن في مقامنا " .
    لهذا ، أول ما عمدوا إليه أنهم وضعوا معاجما مفهرسة جعلت من الأدب الصوفي لغة مميزة " تظهر مقنعة ، رمزية ، خاصة ، وتلك اللغة كونت الإنسان الصوفي و هو يكونها ".
فانقسمت لغة هذا العلم إلى تصوفين حيث تميز التصوف الأول في العمل و المعاملة ، أما التصوف الثاني فهو عبارة عن خطابات تدور حول العشق الإلهي.
   ومن هنا نفهم مدى قيمة ربط الشعر بالدين لدى الصوفي و لعل هذا ما كان عند عرب الجاهلية الذين :" ربطوا الشعر بالدين فكانوا يقرؤونه على قبور موتاهم "  .
   هذا ، و قد كانت رابعة العدوية (ت185ه) من أبرز المؤسسين لأدب هذا العلم بتأسيسها لمعجم المشاهدات و المكاشفات و هي تغوص في ترانيم من الحب الإلهي العميق قائلة :
             فلا الحمد في ذا و لا ذاك لي *** لكن لك الحمد في ذا و ذاك
 
    و نجد في أدب المتصوفة خصوصيات هامة جدا على الأديب الصوفي احترامها و منها التسمية حيث يقوم بمنح لكل مرحلة من أدبياته الروحانية إسما مميزا يتصف به كالحيرة و العشق ، و تحويل الأفعال إلى مصطلحات و كثرة استخدام المفردات في نصوصهم و صياغتها في ثنائيات متناقضة .
  هذا، و كما يكثرون في استعمال الطباق و الجناس ليقدموا فنهم النبيل في حلية أصيلة من حلى اللغة العربية الفصيحة.
قال شهاب الدين عمر السهر وردي :
        سمحوا بأنفسهم و ما بخلوا بها *** لما دروا أن السماح رباح
       و دعا هموا داعي الحقائق دعوة *** فغدوا بها مستأنسين و راحوا
       ركبوا على سفن الوفاء و دموعهم *** بحر و شدة شوقهم ملاح
     و لقد دونت ألفاظ الصوفية في معاجم لإدراك معاني المصطلحات التي يحتكم إليها الصوفي في كتابة نصه الأدبي و منها " باب في شرح الألفاظ الجارية في كلام الصوفية " و هو فصل خاص من كتاب " اللمع" لمؤلفه سراج الدين الطوسي (ت387ه).
    هذا ، و كما ارتبط الأدب الصوفي كذلك بالفلسفة فأصبح يغوص في مسائل وجودية فتخطى بهذا مرحلته الأولى التي تمثلت في قطاع العمل و المجاهدة و المعاملة ليرقى إلى فضاء من الفكر و العقلانية مع ابن عربي ( 560-638ه) الذي تضاربت الآراء بين تصديقه أو تكفيره و يعود السبب في ذلك إلى مدى الفهم و التأويل الصحيح لنصوصه التي تمتزج بين الفلسفة و الفقه و التصوف.
   و يرى محمد السر غيني أن " التصوف وجدان مهما اختلفت تعار يفه ، و خصوصيته تجعل منه فكرا ذوقيا حتى مع اختلاف اتجاهاته " و لعل هذا ما جعل العديد من المستشرقين يقومون بمقارنة متصوفة مسلمين على غيرهم من متصوفة ديانات أخرى كالمسيحية و اليهودية و ذلك بموازاتها حيث قورنت رابعة العدوية بالقديسة تريزا الأشبيلية  و قورن أبا حامد الغزالي بتوماس الأكويني.
   هذا ما يدل على أن هذا العلم لم يكن مقتصرا في حدود الفكر الإسلامي بقدر ما عرفت مفاهيمه لدى المعتقدات الدينية الأخرى و يعود الأمر إلى التأثر و الامتزاج الثقافي بين الحضارتين الإسلامية و الأوربية.
  و لما كان هذا التأثر قد بلغ ذروته بجعل الأدب الصوفي في قالب فلسفي فقد ظهرت قبل ذلك حركة أدبية من الإبداع و الابتكار الفني و جهت اهتمامها بالعلوم الدينية إلى أبعد الحدود و من ذلك شرح الشاب الظريف(ت688ه) لكتاب المواقف للنفري .
و استمرت هذه الحركة إلى غاية الفترة المعاصرة و ذلك بتنظيم دواوين مطبوعة تضمن فحواها أقطاب من الشعر الديني ، و التصوف مثل " أحمد سحنون و محمد بن عبد الرحمن الديسي " .
   هذا ، فإن الأدب الصوفي ثقافة إنسانية تعدت الثقافة الإسلامية إلى ثقافات أجنبية بحكم تواجده في الديانات المسيحية و اليهودية و هذا يعود إلى الامتزاج الحضاري بين المجتمعات البشرية ، و قد نال الأدب الصوفي الإسلامي حضا و نصيبا عظيما من طرف المؤلفات العربية و الغربية بما فيها الإستشراقية ، فتعددت مفاهيمه بين هذا و ذاك
كفلسفة ذاتية أو إلهامات وجدانية تضطلع من الأديب الصوفي بحكم تجربته الإبداعية إلا أنه ينبغي علينا تحديد هذه المفاهيم و تصنيفها حسب درجات تطورها كي يسعنا أن نفرق بين الصوفية الإسلامية و الصوفية الأوربية التي اضطلعت من التفكير الفلسفي اليوناني.
    وهكذا نستطيع صياغة اللفظ الصوفي الإسلامي في قالب مميز عن القوالب الديانات العالمية الحية و هذا لا يعني عدم الاكتراث بالحضارات الإنسانية الأخرى ولكن فقط إن أمر الاهتمام بتدوين التراث الصوفي العربي يحتاج إلى كثير من الضبط و التدقيق و استنطاق المصادر كونها ملجأ الباحثين في صياغة أبحاثهم العلمية .
    و أخيرا لا يسعنا إلا القول أن الحركة الأدبية الصوفية عرفت استمرارية و حفلت بتواصل العديد من المتنافسين في إظهار أقلامهم النبيلة في حلة إسلامية أصيلة.
فاطمة الزهراء طوبال

الموات التاريخي و مقاطعة الرموز الوطنية


تحقيقـــــــــــــات تاريخيــــــــــــــــــــــــة

الموات التاريخي و مقاطعة الرموز الوطنية

دعاة التنفير و التكريه وراء السبب

 
بقلم: فاطمــة الزهــراء طــوبال

    تروج وإلى حد الآن أقاويل عن الكتابة التاريخية تستهدف الوصول إلى الحقيقة وتتركز على بؤر محددة، فما هي خلفيات هذا الموات التاريخي؟

     يقال الكثير عن التاريخ الوطني لكن أغلب ما يقال يظل منحصرا في نمطية ألفناها بل نمطية سئمناها ، تثير فينا الانفعال وتجعلنا في صدام مع الأمس و اليوم و خلفيات ذلك تعود إلى المجهول يومها انطلقت أول رصاصة نوفمبرية تعلن حدث الاندلاع الثوري...

  تتمزق الأفكار وتتعالى الأوجاع في أحشائنا ونحن نبحث عن الذي أوقف محطة انطلاق كتابة تاريخنا، فمن ذا الذي يحاول تحطيمنا ؟

 سقطت فرنسا الإستدمارية وما جرى عقب سقوطها أنها حملت الأطنان من أرشيفنا حتى لايبقى من ذاكرتنا مانبني به مستقبلنا فنظل في قوقعة من الصراع و النزاع بين أبطال يصلحون للجهاد ولا يصلحون للبناء الحضاري ، حيث في حوار أجريناه مع بعضهم رحلوا بنا بحكاياتهم إلى عالم ألف ليلة وليلة ساردين على مسامعنا ماضيهم معممين في سردهم هذا مثاليتهم الوهمية وفي كل مناسبة وطنية تجدهم يتغنون بها لكنهم لايدونون من ثوريتهم هذه مايسد رمقنا من الجوع و العطش.

 فلقد تبرأوا من تدوين تاريخ الجزائر وحملوه على عاتقنا –أي أن مسؤولية كتابة تضحياتهم نتحملها نحن- وياخوفنا إن وقعنا في شراك التزييف بلا مصداقية التي قد تثير ضدنا الخصوم و الأعداء.

فمن المسؤول إذن ؟ ماداموا يقدمون لنا كلما خاطبناهم أو طرحنا عليهم هذا السؤال التبريرات، فيتناحر هذا مع ذاك ونعاني نحن من تناحرهم هذا.

إشكالية الكتابة التاريخية في بلادنا

      الحديث عن الكتابة التاريخية والتواصل مع كل ماهو وطني  لايزال حبيسا في سجنه المؤبد ينتظر اقتراب المناسبات الوطنية ليفرج عن كربته ،فانفتاحه يظل منحصرا إلى أن تنظم ندوات للندب أو المدح و الواقع أنه لااحد يتحرك لإنقاذ تراثنا الضائع...إنه الموات التاريخي.

لعل من كان كفؤا في حبك وصياغة ماآل إليه وضعنا من خطورة الآن قد نال مطلبه وحقق هدفه بخلق مضاعفات سلبية جعلت الشعب يقاطع كل رمز من رموز وطنيتنا الشماء ، محدثا بذلك انفصالا بينه وبين الثورة و الاستقلال لما صارت هذه الأخيرة حكرا على شريحة معينة في الجزائر تزعم أن لها الحق في كل شيء فأحدثت بمطالبها هذه الانفصام و الانقسام في المجتمع الذي تجزأ إلى فئة ذوي الحقوق و أبناء المجاهدين و الشهداء وفئة تعتقد بأن حقوقها مهضومة فغطى الصمت محياها وكان صمتها هذا موقفا تعبر من خلاله عن البؤس الوطني لاحيادا.

  من المسؤول عن هذه القطيعة؟

   حملنا السؤال في جعبتنا و توجهنا بجرحنا إلى أبناء الجزائر، نتقصى منهم الوقائع و الحقائق علنا نصل إلى إجابة مقنعة، فصادفنا في طريقنا فئات مختلفة من شرائح مجتمعنا و إن اختلفت فإن جوابها واحد.

 

 

في قســـم التــاريـــخ:

 

في قسم التاريخ أين يتلقى الطالب المبادئ الثورية و يتعلم كيف يوظفها في بناء مستقبل البلاد فيتعلم منه بعدين مختلفين :

*البعد التاريخي الذي يتقيد بالماضي فيتأمل في أحداثه و تفاعلاته و يعتبر بعبره.

*بعد الحاضر الذي يستطيع من خلاله أن يتجاوب مع المشكلات و الأزمات التي يواجهها.

    إذكنا نتوقع من طلابه كل الخير ،فدخلنا بتفاؤل كبير وخرجنا منه بحزن عظيم... أحدث فينا اضطرابا عصبيا إلى حد الغليان.

*ونحن نتلقى إجابات غير متوقعة من طلبة الليسانس و الذين توجهت فئة كبيرة منهم لدراسة التاريخ بدافع الحصول على شهادة تؤمن لهم الحصول على وظيفة لاغير فيأكلون جيدا وينامون مرتاحي البال ولايهمهم مواصلة البحث و التنقيب عن آثار ماخلفه الأمجاد من الأجداد...

  كانت الفكرة مريضة للغاية، لدرجة أنها أثارت فينا الغموض ، كيف يتوجه لدراسة التاريخ من لايهمه من كتابته شيء ..من ذا الذي رسخ في ذهنهم هذه الأفكار المتحجرة الجامدة التي تدعوهم للتهاون أمام رموزهم الوطنية!؟..تاريخ من أجل العيش و الكسب الممتاز لا لأجل النضال و الامتثال أمام مخلفات شهداءنا الأبرار...

 *فئة أخرى تقربنا منها للكشف عن دافع تطلعها للدراسات العليا فكان لنا دردشة مطولة مع بعض الذين فازوا في مسابقة الدخول لدراسة الماجستير فتأكد لنا بعد هذه الدردشة بأن الهدف من دراستهم العليا  هذه يرمي إلى كتابة مذكرة بالاعتماد على جملة من المصادر و المراجع المتوفرة في مكتباتنا الوطنية لغرض الحصول على شهادة عليا تمكنهم من نيل منصب شغل  للتدريس في الجامعة فيتقاضون على إثرها أجورا مرتفعة غير التي كانوا يتقاضونها في التعليم الثانوي أو المتوسط..

 بعد هذا الاستطلاع المؤسف خرجنا بتصريح يحير الفكر من كلا الفئتين و إن اختلفت المستويات وتعددت لكن الهدف واحد...دراسة لأجل بناء مصلحة شخصية لا للغيرة الوطنية ..يؤسفني أنني لم ألتقي في القسم ذاته بابن خلدون أو الطبري أو مالك ابن نبي فظلت المصلحة الوطنية تنتظر فارس أحلام ينقذها من سباتها العميق هذا...فمن ذا الذي زرع بذور القطيعة برموزنا الوطنية!؟

في مكـــان عمـــــومي

   في إحدى الحدائق العمومية أين يجتمع الأفراد لاستنشاق الهواء الصافي ، بحثنا علنا نجد رأيا مخالفا لما سمعناه لكن أغلب الآراء تصب في نهر واحد ،لا أحد يهمه من إحياء المناسبات الوطنية سوى تحقيق مصلحة شخصية ، فالعامل في الإدارة كل مايهمه من إحياء اندلاع الثورة أنه لايذهب إلى العمل في ذلك اليوم فيقضي يومه نائما في منزله أو اللجوء إلى أماكن النزهة للالتقاء بالأصدقاء " لاجديد يذكر ولا قديم يعاد " هذا ماتجده متداول على الشفاه ولا احد يهمه من تصفح كتب التاريخ شيء.

في مكتباتـــنا الوطنيــــــة

 

      وهكذا تعاني مكتباتنا الوطنية أيضا وأخص بالذكر المتواجدة في ولاية وهران فرغم طلبات الكتب التي يأتي بها مسؤولوها من المحلات التجارية فإنها لاتحضى بأدنى نصيب من الاستعارة اليومية أو الأسبوعية ، إلا فئة قليلة كما صرح المسؤول المكلف بتسيير مكتبة متحف المجاهد بوهران "إن أغلب من يتوافد إلى المكتبة ذاتها لقراءة تاريخ الجزائر هم عمال أجانب جاؤوا لغرض الاستثمار في الجزائر حيث حاولوا التطفل على كنوزنا التي أهملتها أجيالنا فمن بينهم مستثمرين أمريكان وآخرين قدموا من دولة الصين و نسبة قليلة أيضا من إطارات جزائرية منتجة في مجمع السوناطراك الذي يقع بقرب متحف المجاهد  من يهمها التعرف على أحداث ماضينا".

 هذا،وكما أن أغلب الكتب التي يكثر الطلب عليها في مركز البحوث للإعلام الوثائقي في العلوم الاجتماعية والإنسانية(الكريدش) هي كتب أدبية و أخرى في علم الاجتماع و القانون لغرض إقامة بحوث علمية توفي شرط الحصول على علامة المقياس التطبيقي في مادة معينة فحسب ، أما عن كتب التاريخ فيكاد الطلب عليها ينعدم إلا البعض التي تتعلق بتاريخ العصر الوسيط والتي يتم تداولها عادة بين ثلاث طلبة في قسم الماجستير إلى خمسة بهدف تحضير مذكرة للتخرج.

 هذه الجولة التي قمنا بها أثبتت أن الأجيال في قطيعة مع رموزنا الوطنية الثورية التاريخية حتى أن المتصفح للتاريخ الوطني يجد أن الطابع السردي والتركيز على الأحداث السياسية هو السمة البارزة لدى أصحابها في تطرقهم لكتابة هذا التاريخ.

في مؤسساتنا التربوية:

في إحدى المؤسسات التربوية الواقعة بوهران حاولنا التقرب من تلاميذ الطور الثالث الذين يتراوح سنهم بين الثاني عشر إلى الخامس عشر سنة ، وكنا قد انتقينا هذه الفئة العمرية لما لها من تحول حاسم في حياة الإنسان فهي أصعب مراحل حياته،ذلك أن فترة المراهقة مرحلة تجعل الطفل الصغير يذهب بعيدا بأحلامه و يتعمق في اتجاه معين انتقاه لنفسه.

 كنا قد اخترنا جنسين مختلفين(ذكر وأنثى) وطرحنا على كل واحد منهم السؤال التالي:[مامدى تعلقكم بمادة التاريخ؟هل تميلون إلى رموزكم الوطنية؟ولماذا؟] وكانت الكفاءة المستهدفة من وراء السؤال هي اختبار غيرتهم الوطنية ومدى ميلهم لتاريخ بلادهم ، فكانت الإجابة كالآتي:

*من جملة 43 تلميذا أجابت 19 بنتا بنعم أحب تاريخ وطني لأنه بفضله نمت أفكاري و حبي له يتعلق كلما تذكرت تضحيات شهدائنا الأبرار الذين لولاهم لما كنا نحن في مقاعدنا ننعم بالدراسة المجانية.

*هذا،وأجاب 12 إبنا بنعم أحب مادة التاريخ لأنها مادة سهلة الحفظ ونفهمها جيدا.

*كما أجاب ثلاثة ذكور بلا،لا أحب التاريخ و لا أتعلق به لأني لاأستوعب أحداثه بسرعة،بينما امتنع حوالي ثمانية تلاميذ ذكورا من الإجابة الجدية على السؤال و بدافع من السخرية و الاستهزاء من مادة التاريخ.

إجمالا كنا قد استخلصنا بأن تعلق عدد كبير من الأبناء و البنات بمادة التاريخ هو من تعلقهم بوطنيتهم الفذة ويا خوفنا أن تغتال هذه الأنفس البريئة يوما ما فيبرد في هؤلاء هذا الحب العظيم لوطنيتهم أو كما ذكر أحد طلبة التاريخ قائلا بأنه كان مولعا بحب المادة في صغره وهائما بأستاذه لكنه بمجرد بلوغه سن الخامس و العشرين انقطع عن كل ماهو وطني لأنه صدم بسلوكيات لاحظها في الجامعة غير المبادئ التي كان يتلقاها في صغره لدرجة أنه كره إتمام دراسته الجامعية في قسم التاريخ أو حتى التفكير في كتابة تاريخ ثورتنا المجيدة مستقبلا.

ما يقوله المجاهدون :

يعتقد البعض ممن واكبوا الحدث الثوري بأن أهم سبب أخر عملية كتابة تاريخ الثورة هو مركب النقص الذي تشعر به بعض الأطراف المسؤولة في الدولة ومن هذا مايصرح به المجاهد محمد زروال قائلا بأن هذا الشعور هو ناتج من الإحساس بعدم المشاركة المبكرة في التمهيد للثورة وتفجيرها لهذا يحس عدد منهم أثناء الحديث عن الثرة بالسخط فيسميهم ب"الطابور الخامس" ومنهم الموظفين الإداريين الذين خلفتهم فرنسا على رأس الإدارة ولأنهم قد حرموا نفسهم من شرف الانتساب إليها فتجدهم يضمرون لها الحقد وينفرون منها فيكرهن الناس عن الحديث في موضوع الثورة و لايشرعون شروعا جادا لكتابتها.

  دعاة التنفير الذين جمدوا هذه العملية الشريفة صاروا مسيطرين على كل كبيرة و صغيرة في أمتنا ولن يرى التاريخ معهم النور إلا إذا اختفوا كما قال ذات المتحدث من الساحة السياسية.

 فرنسا حققت غايتها حتى بعد خروجها من الجزائر فجعلت تستغل هذه العملية التعطيلية في الكتابة التاريخية لتكتب على طريقتها ماتراه مناسبا لجذب الأجيال إليها وهذا مايحدث الآن لما صار بعض الأبناء من أمتنا يعتقدون بأن فرنسا هي من قدمت لنا الاستقلال ولسنا نحن الذين كبلوها خسائر مادية وبشرية لنحمي أرضنا منها. 

فكم هو صعب أن تبقى هذه الفكرة راسخة على أذهان الكثير ممن يئسوا من الحياة على أرض الوطن فنمت لديهم فكرة الهجرة وبطرق غير شرعية كرها في محيطهم الذي أنفرهم من حب الجزائر وتاريخها.

ومن المجاهدين الذين صادفناهم في متحف المجاهد بوهران"الطيب بن نهاري" هو مجاهد بالمنطقة السادسة الولاية الخامسة حيث يعتبر من الأوائل الذين التحقوا بصفوف الثورة المجيدة ، سألناه عن الكتابة التاريخية و العوامل التي عطلت صيرورتها فكان أن عدد لنا بعض الكتابات التي جعلها مشروعا يستحق الاستثمار إلا أنها لم تلق الدعم من طرف المعنيين و بالتالي أطفأ نورها الذي لم تنعم به الأجيال ومنها " المعارك في منطقة سعيدة ومعسكر" كمعركة السكة الحديدية في الغرب الجزائري وعلاقتها بمشروع ديغول إضافة إلى كتاب " شهداء الولاية الخامسة(سير ذاتية)" ، ذاكرا بأن  مشاكله الحالية حالت دون نشره هذه الكتابات التي حاول أن يفيدنا بها.

وعن سبب تعطيل عملية الكتابة التاريخية يجيبنا بن نهاري قائلا بأنه كان على الدولة مساعدته و أمثاله في نشر مؤلفاتهم كون أن منحته الشهرية لاتكفيه لطبع كتاب تبلغ كلفته 30 مليون سنتيم و يستطرد قائلا :"إن الأموال الطائلة التي عادة ماتصرف لفائدة الفنانين الأجانب كان من المفروض أن تستثمر لإعادة كتابة التاريخ الوطني" وبذلك فهو يعتبر بأن نفور هؤلاء من حماية تاريخهم هو قتل للذاكرة الجزائرية فقد تعددت المشاكل و دعاة التنفير و التكريه هم وراء  سبب حدوثها.

فاطمة الزهراء طوبال

انتهى