vendredi 2 novembre 2012

يحي بوعزيز مصاف سنوات من النضال



 

الرجل الذي لابد أن يذكره التاريخ

يحي بوعزيز مصاف سنوات من النضال

 

فاطمة الزهراء طوبال

 

 

أتذكره منذ سنوات خلت وعلامات الطموح الفياض بادية على محياه،وكنت أراه بين قاعات متحف المجاهد بوهران،مشاركا بمحاضراته التي ترسي فينا تقاليد حب التعمق في قضايا تاريخنا العتيق،حيث كانت نظراته إلينا توحي إلى أنه كان يسعى جاهدا من أجل أن نتمرس في مطالعة كتب التاريخ الوطني ولقد استطاع أن ينجح بنضاله هذا وصوته الذي لازال يرن في أذني ليفجر في قلبي طاقة حب التاريخ والتأريخ ،وكنت أتعطش دائما لسماع محاضراته التي كان يلقيها على مسامعنا في كل ملتقى وطني أو جهوي يجمعنا طالبة المزيد من معلوماته القيمة عن تاريخ وطني.

يحي بوعزيز ميزة إنسانية سامية لعبت دورا فعالا في كتابة التاريخ الوطني ،خاصة في حقلي الدراسات في ماقبل الاستعمار الكولونيالي حيث يبدوا لنا جليا بأن أعماله التاريخية هي نضال استثماري لابد من تطورها على المستوى الأكاديمي،فهي ذلك الموروث المساعد على بناء الثقافة الوطنية كما لابد من التنبيه إلى نقطتين مهمتين من هذا القبيل وعلى رأسها كتابة التاريخ الوطني ونظرتنا إلى بوعزيز كمؤرخ .

ومما لاشك فيه أن إبراز السماة الفكرية العليا التي ساهمت في كتابة تاريخنا ليحي بوعزيز هي ضرورة لابد منها،وذلك من أجل تحفيز النفوس وتفجيرها للكتابة التاريخية ومن أجل تقاربها مع فكره الأخاذ وتوظيف نظرته النقدية للأحداث التاريخية واستغلالها في تطوير البحث العلمي.

إن أهمية هذا الرجل تنبع من كونه قد جعل من الموات التاريخي روحا تتألق إلى أفق ناذر الوجود ، فبفضله ولدت مشاريع استثمارية في التاريخ الجزائري ليكسر بإشرافه عدد من الباحثين حواجز الجهل والتجهيل من تاريخ الجزائر كالباحث لخضر تومي مدني وأمثاله عديد.

هذا،وقد تمكن يحي بوعزيز بفضل حراكه الإنتاجي من الكشف عن خبايا تاريخنا من أحداث تسلسلية وعن خطط الاستعمار الجهنمية الراغبة في تحطيم الإرادة الجزائرية من أجل الحرية و الاستقلال فكان أن تبخرت مشاريعه وخابت آمالها وبهذا نجد أن يحي بوعزيز مرجعية ثورية رضع حليبها من مبادئ بيان الفاتح نوفمبر 1954 م وهي خصوصية ذاتية شخصية كان لها تأثير عميق في بناء عمارة فكرية لايقطنها إلا أمثاله تنظر لمواقف فكرية من أعلامنا كمالك ابن نبي والتي كانت دائما منهل المسؤولين في تسيير الدولة الجزائرية على ضوء التجربة التاريخية.

 

 

الأعمال الفكرية ليحي بوعزيز:

   ترك يحيى بوعزيز -الذي كان يدرس التاريخ بجامعة وهران- سجلا حافلا بالعطاء الفكري؛ حيث ألف 40 كتابا، و يوجد له كتابين تحت الطبع منها: "فضاء في رحلة العمر"؛ وهي عبارة عن مذكراته، يلخص فيها مسيرته الفكرية والعلمية، كما كتب أزيد من 1000 مقالة، معظمها في جريدة "الشعب"، وألقى أكثر من 1000 محاضرة في العديد من المناسبات الوطنية، وشارك الندوات الفكرية، منها المحاضرات التي ألقيت في مؤتمرات الفكر الإسلامي إلى جانب العلامة مولود قاسم نايت بلقاسم.

 وفي إطار السنة الجزائرية بفرنسا ألقى محاضرة بمعهد العالم العربي بباريس، وطبع له في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية لسنة 2007م أربعة كتب، منها: تحقيق لمؤلف يحمل عنوان "طلوع سعد السعود"، الذي كتبه آغا بن عودة المزاري، إلى جانب أنه أثرى المكتبة الجزائرية بعدة كتب حول تاريخ أكبر المدن الجزائرية، ونشط العديد من الحصص الإذاعية كما كرس المرحوم الذي كان عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى حياته للتدريس الجامعي وفي البحث والكتابة في تاريخ الجزائر .

ومن هنا نستعرض لقراء أسبوعية القادسية أهم إنتاجات الفقيد التاريخية و التي من بينها:


 

     استنبطه من وثائق جبهة التحرير 1945-1962، يشتمل على أكثر من عشرين وثيقة. بين طويلة و قصيرة وحسب الموضوعات التي جعلها المؤرخ كلها لجبهة التحرير الوطني  ماعدا واحدة  هي الحكومة التونسية التي سجل فيها يحي بوعزيز فضائع غارات جيش الاحتلال الفرنسي على قرية : ساقية سيدي يوسف في شهر فيفري 1958في التخريب والتدمير لكل وسائل الحياة وتمثل هذه الوثائق ثورة مهمة لتاريخ  و أحداث ثورة أول نوفمبر ، لنتعرف على التضحيات  الكبرى التي قدمها الشعب الجزائري  على مدى  قرن  وثلث القرن من أجل استرجاع  الاستقلال والسيادة الوطنية . و الممثلة في ستة ملاييين  ونصف المليون  شهيد ، و ملايين الضحايا ، والمفقودين ،والمعذبين  .

 

 

 

 

 


تلمسان عاصمة المغرب الأوسط يتحدث يحي بوعزيز في هذا الكتاب عن تاريخ هذه المدينة العريق عبر العصور، وعن اسمها من أين أخذته. و المراحل و الأدوار التاريخية التي مرت بها، والدول التي حكمتها، و آخرها الدولة الزيانية التي قضى عليها الأتراك العثمانيون في منتصف القرن السادس عشر، لوضع حد لتكالب النصارى الأسبان على احتلالها.

حيث يجد  القارئ وصفها جميلا للمدينة و آثارها التاريخية و العمرانية. ودراسة موسعة لعلمائها الذين أنجبتهم أو جاؤا إليها و استقروا بها وأبدعوا في الفكر و التاريخ والحضارة أمثال، أبي بومدين شعيب، وأبناء الإمام  المغيلي و علماء أسرة إبن خطيب، و أسرة المقري و أسرة العقباني، و أسرة ابن مرزوق، وغيرهم الذين هم علماء عالميون على مستوى العالم الإسلامي كما سيجد القارئ مجموعة من الصور لبعض آثارها كالمساجد والقلاع و غيرها.

مدينــة وهــــران

استعرض يحي بوعزيز في كتابه هذا مدينة وهران عبر التاريخ،مجسدا في ذلك موقعها الجغرافي ومناخها، ونباتها، و مراكزها العمرانية. وسكانها القدماء ومراحله التاريخية القديمة و أوضاعها خلال عهود : بني خرز ، ومغروات ، و الفاطميين ، و الأمويين ، والمرابطين ، والموحدين ، والزيانيين ، والحفصيين ، والمرينيين ومقاومة سكانها ، ضد غارات البرتغاليين ، والاحتلال الاسباني  لها قرابة ثلاثة قرون ما بين  1509 م و 1792 م ، ودور الحكام الأتراك في تحريرها النهائي عام 1792 . وخلال كل هذا استعرض يحي بوعزيز أيضا تاريخ قلاعها ، وأبراجها ، و أثارها القديمة ، ومساجدها العتيقة ، والأدباء  والمحدثين  الذي أنجبتم  أو عاشو و استقروا بها .

  إن كتاب مدينة وهران عبر التاريخ يعتبر موسوعة يجد فيه القارئ والسائح، والباحث كل ما يهمه عن المدينة.

 

أعلام الفكر والثقافة في الجزائر المحروسة

 

حمّل الجزء الأول من كتاب الدكتور يحيى بوعزيز أعلام الفكر و الثقافة بالجزائر المحروسة وهو كتاب مفيد ، جمع فيه المؤرخ  تراجم لعدد كبير من أعلام الجزائر (خاصة منطقة القبائل) في القديم والحديث؛ وفيه بعض التراجم المطولة (كتراجم أفراد عائلة المؤلف، وترجمة الشيخ الفضيل الورتلاني، وترجمة العلامة مولود قاسم نايت بلقاسم وغبرهما) وفيه بعض التراجم كتبها أصحابها مثل ترجمة العلامة موسى الأحمدي نويوات رحمه الله.

 

 

 

 

نماذج من  أحداث تاريخية للدكتور يحي بوعزيز التأليفية :

كتب المؤرخ كثيرا على الثقافة العربية الجزائرية فقال الكثير وقرأنا ماوراء سطور كتاباته الغيرة الوطنية على هذه الأمة الإسلامية،إذ كتب على وادي مزاب يقول: في كتابه الموجز في تاريخ الجزائر صفحة 92:(ولقد كان نظام الحكم في هذه الإمارة شوريا، يطبق أئمتها أحكام القرآن والسنة، وسعوا جهدهم لإصلاح الأوضاع، فانتشرت الثقافة العربية بشكل ملحوظ، كما راجت الأعمال التجارية والفلاحية والعمرانية، وغدت مدينة تيهرت التي جددوا بنائها ووسعوا عمرانها ملتقى القوافل التجارية، ووفود طلاب العلم).

كما وصف الطريقة التي طردت منها إسبانيا من الجزائر في كتابه علاقات الجزائر الخارجية مع دول ومماليك أوروبا من 1500إلى 1830 ص 20 إذ كتب يقول ( لقد وعت الجزائر الدرس جيدا و أدركت الأبعاد الحقيقية للحملات الأوروبية الصليبية ضدها ،ولذلك صمم شعبها وقيادتها على تصفية الوجود الإسباني الاستعماري في البلاد،بمختلف الوسائل وبأي ثمن مهما كان غاليا ، فبعد أن تمكنت الدولة الجزائرية من تطهير الشواطىء التونسية و الطرابلسية بصفة نهائية من أوكار القراصنة مارست سياسة الهجوم سنوات طويلة على مركز القرصنة في أوروبا نفسها و أرغمت معظم دول ومماليك أوروبا على شراء السلم و الأمن لها ولأساطيلها في البحر بالمال والهدايا القنصلية ومعاهدات الصداقة و الأمن و خاصة في القرنين 17 و 18 م الذين يمثلان العصر الذهبي للجزائر عسكريا وسياسيا و اقتصاديا).

إن اعمال يحي بوعزيز نتاج لحرب ضروس خاضها ضد الجهل و التقاعس في كتابة التاريخ الوطني ، و حرب خاضها ضد مبادئ الاستعمار الغاشم فتحدى واقع ما آل إليه هذا التاريخ من إهمال و تستر فأقام بذلك مقاربة واقعية مع أحداثه المتسلسلة.

و السؤال الذي نطرحه هو : كيف تمكن بوعزيز التحاور مع مجريات الأحداث الماضية ليوظفها في محطات تسلسلية اختصرت على دعاة التنفير من الكتابة التاريخية ؟

وهكذا فقدت الجزائر الذهبية أحد مؤرخيها الذي أبى إلا أن يفخر بمآثر أجدادنا العظام جاعلا من ذلك أداة فعالة لكل كتاباته التاريخية.

فاطمة الزهراء طوبال

 

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire