vendredi 2 novembre 2012

ضحايا العنف الاستعماري يطالبون بالقصاص


 

أما آن لأعداء الإنسانية أن يمتثلوا أمام المحكمة الجنائية العالمية؟

ضحايا العنف الاستعماري يطالبون بالقصاص

فاطمة الزهراء طوبال


مرنصف قرن على اندلاع الثورة المباركة فتعاقبت على مرورها الأجيال وتقوت العزائم و حفر التاريخ في الذاكرة البشرية ليكشف عن جرائم ماسو وأوزار يس، بيجار، سوزيني، وغيرهم إلى جانب الشرطة السرية والمكتب المخصص للمضليين. واللذين تلطخ اسمهم بدم ابن المهيدي و عنق زبانة و جراح بوحيرد...

ماذا حدث خلال نصف قرن؟

أدركت فرنسا الخطر الذي صار يتربص بها من قبل عمل الثوار خاصة مع هجوم 20 أوت 1955 ناهيك عن معركة الجزائر مع نهاية 1956 فصارت تبحث عن طريقة تخمد بها ما سمته بأحداث الشغب،فأوكلت الأمر للجنرال ماسو Massu  قائد الفرقة العاشرة للمضليين،فأخذ هذا الأخير يعذب الجزائريين و كذا الفرنسيين من الذين يتعاطفون مع القضية الجزائرية كالكاتب الصحفي " هنري علاق" Henri Haleg الذي سجن في البرواقية وتعرض لأبشع أساليب التعذيب،وكانت فرنسا قد اخترقت بذلك القوانين التي تحرم التعذيب بصفته جريمة إنسانية كالمادة 13 من اتفاقية جنيف (12 أوت 1949) المتعلقة بمعاملة الأسرى و المتضمنة النص التالي :" يجب معاملة الأسرى في كل الأوقات معاملة إنسانية، وأن كل فعل أو تهاون غير شرعي ينجر عنه موت الأسير أو تعريض صحته للخطر ، يعتبر خرقا خطيرا لاحكام هذه الاتفاقية"

فبدأت فرنسا تمارس تعذيب الجزائريين على نطاق واسع مستعملة في ذلك الكهرباء NEoGoG) ( و الحرق و الغطس في المياه القذرة و التعليق من اليدين و الرجلين و المقصلة وربط الأسرى و رميهم للكلاب الجائعة ولقد تفننت السلطات الاستعمارية العسكرية منها والمدنية في العبث بالضحايا من خلال أنواع التعذيب المسلطة على المسجون والتي اعتبرت إبان الثورة أعلى مرحلة وصلت إليها جرائم الاستعمار الفرنسي وبينت الحقد الدفين ضد العرب كما أظهرت الرغبة الجامحة في التقتيل والتنكيل بل حتى التلذذ في تعذيب الجزائريين، هذا التعذيب الذي ميز حقيقة النهج الوحشي المتبع ضد المجاهدين، وقد تفنن جلادو الاستعمار الفرنسي في ممارسته، وهي المهمة التي أوكلت كذلك إلى ضباط الشؤون الأهلية داخل المعتقلات والمحتشدات وفي القرى والأرياف وحتى المدن الجزائرية لم تسلم من هذه الأعمال اللا إنسانية حيث كانت مراكز التعذيب منتشرة بشكل كبير عبر التراب الوطني.

هذا،وقد أنشأت فرنسا لهذا الغرض مراكز خاصة للتعذيب مثل فيلا Sasini بالأبيار تحت إشراف أوساريس حيث مر على هذا المركز 3000 جزائري كان مصيرهم القتل في الأخير ولم يكن التعذيب مقتصرا على العاصمة الجزائرية فحسب فقد تم تعميمه على كامل التراب الوطني من طرف المفارز العملياتية للحماية (DOP) وتواصل إلى غاية آخر ساعات الاستعمار على يد المنظمة المسلحة السرية (OAS) .

يقول Gerard Lauzier ضابط في الجيش الفرنسي بقسنطينة:" كنا نمارس التعذيب طول النهار...وكان لدينا ستة فرق تتناوب 24/24 ساعة...كنا نعذب الناس على اختلاف أعمارهم و جنسهم، حتى الفتيات في سن 18 ".

ويقول Massu في كتابه ( معركة الجزائر الحقيقية):" ...بالرغم من أن السياسة المطبقة حيال المسلمين منذ البداية كانت تتسم بالغباوة،واللاإنسانية و الخطورة ،فالجزائر هي فرنسا كان شعارا للحكومات،وقد آمنت به الأغلبية الساحقة من الفرنسيين..."

وشهد شاهد من ضحايانا

لم تكن معاناة المسجونين والمعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب ظرفية، إنما بقيت الصور الأليمة لما لحق بهم عالقة في أذهانهم وهذا ما أثر سلبا على سلوكا تهم الاجتماعية ومعاملاتهم اليومية لذلك فإن انعكاسات التعذيب على هذه الشريحة المعذبة لازمتهم طيلة حياتهم، حيث مازال الكثير منهم يعاني منها إلى اليوم وأصبحوا بذلك ضحايا التعذيب .

      إيغيل إحريز هي سيدة مناضلة،تروي لنا تفاصيل الجرائم التي ارتكبها في حقها الفرنسيون بعدما ألقي عليها القبض من طرف السلطات الاستعمارية يوم 28 سبتمبر 1957 بمنطقة الشبلي التي تبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 30 كلم.

تتذكر إيغيل إحريز الأيام التي قضتها بين يدي السفاحين فتقول:" كنت مستلقاة في وضع يصعب علي وصفه...وكان بإمكانهم أن يأتوا مرة،مرتين أو ثلاث في اليوم الواحد...بمجرد أن أسمع صدى أقدامهم تنتابني حالة من الذعر و يرتعش جسدي، الساعة كانت تبدو لي يوما، واليوم سنة بأكملها...أصعب شيء أن يتمالك المرء نفسه في الأيام الأولى".

إيغيل إحريز تتذكر أيضا كيف سلط عليها شتى أنواع التعذيب بصفة منتظمة من سبتمبر إلى ديسمبر حيث تم نقلها إلى مقر الفرقة العاشرة للمظليين بحيدرة وكيف كانت تطلب من بيجار أن يضع حدا لحياتها فكان هذا الأخير يجيبها دائما أن الوقت لم يحن بعد إلى أن تم إنقاذها من طرف طبيب فرنسي يدعى Richa Ud والذي ساءه ما حدث للمجاهدة المناضلة فقام بنقلها إلى المستشفى لتسجن بعد ذلك لمدة 5 سنوات إلى غاية استقلال الجزائر.

لم يكن التعذيب خلال مرحلة الثورة التحريرية منحصر على فئة المجاهدين فقط إنما مس شرائح عديدة من المجتمع من شيوخ ونساء وأطفال دون مبرر على اعتبار الشخص الذي يلقى عليه القبض مشبوها، وابتداء من ساعة القبض تبدأ مراحل التعذيب والهدف من ورائها إضعاف نفسية المسجون أو المعتقل للاعتراف بما لديه من معلومات عن الثورة ورجالها وهذا ما يسهل للإدارة الاستعمارية عملية ملاحقة المجاهدين ومحاصرتهم والعمل على خنق جيوب الثورة في القرى والمد اشر والأرياف وحتى داخل المدن.

مرنية الأزرق تدين وحشية الاستعمار الغاشم:

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الفرنسية تبرئة ماضيها القبيح في الدول التي استعمرتها والادعاء بأنها مارست "مهمة حضارية" هناك، يأتي كتاب الباحثة الاجتماعية الجزائرية مرنية الأزرق ليوضح أن تلك الممارسات القمعية كانت جزءا من نسيج عقدي وممارسة هدفها وقف انهيارها كنظام استعماري.

 تتناول المؤلفة التعذيب الفرنسي للمجاهدين الجزائريين إبان ثورة التحرير الوطني بصفته عقدة نفسية  حاولت خلالها السلطات الاستعمارية الدفاع عن دولة فرنسية منهارة في مرحلة تحللها وتدهورها.

تقول المؤلفة إن استخدام الجيش والشرطة الفرنسية التعذيب لم يكن رد فعل على "إرهاب" جبهة التحرير الوطني، كما تدعي فرنسا، وإنما نتيجة مباشرة لنظرية "الحرب الثورية=التخريبية" التي طورها ضباط فرنسيون كبار في الخمسينيات في أعقاب هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو بفيتنام.

فممارسة التعذيب لم يكن ممكنا من دون إطار نظري يصوغ تلك الوحشية، ومن دونه ما كان ممكنا تطبيق عقيدة "الحرب على الإرهاب" أو "على التخريب".

تقول الكاتبة مرنية: لا تعد الصفعة تعذيبا إلا إذا مورست "جماعيا" ضمن بنية أو سياسة على نحو مستمر. فالتعذيب ليس جلوس المحقق أو المعذِّب مع الضحية في غرفة مغلقة تحوي بعض الأجهزة، وإنما بيئة بنيوية ذات نسيج خاص بها، لا يمكن من دونها إدراك الألم الجسدي والنفسي الذي يبقى من دون تأثير.

اجتماعيا، تقوم الذاكرة والهوية والثقافة بنسج شبكة أفكار وتصورات وتجارب ومُثُل تعرِّف معركة بين حقيقتين: فرنسا المستعمِرة ذات القوة غير المحدودة والمتمرسة خلف أساطير نسجتها حول نفسها، والجزائر المستعمَرة المطالِبة بحصتها الكاملة في المجتمع الإنساني.

تحدد الكاتبة خمسة أشكال من التعذيب مارستها فرنسا في الجزائر وهي: التعذيب، والاغتصاب الجنسي، واختفاء الأفراد، وقتل من دون محاكمة، وممارسة عمليات انتقامية فردية وجماعية بحق أفراد وجماعات، والهدف هو الإرهاب.

وقد سوغ الاحتلال التعذيب اعتمادا على خرافات "خلل الشخصية الجزائرية" وغرور ذاتي يزعم بتفوق حضاري فرنسي.

هذا التحليل الاجتماعي للتعذيب خلال الفترة الاستعمارية بالجزائر و الذي تقدمت به الباحثة مرنية تحت عنوان التعذيب وفجر الإمبراطورية الكاذب يجعلنا نطرح السؤال على أنفسنا: لماذا تصر الأوساط الفرنسية على عدم الاعتراف بجرائمها مادام التعذيب الذي مارسته في حق مناضلينا لا يعدو أن يكون سوى ضعفا نفسيا في سياستها وذاتها بهدف قتل روح الثورة في نفوس المجاهدين،غير أن ذلك لم يزدهم إلا تعلقا بقضيتهم الوطنية؟

تأليف: فاطمة الزهراء طوبال

كل الحقوق محفوظة للمؤلف

Journalzo.blogspot.com


 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire